️ تظهر الحاجة الماسة في هذه الأيام لقيمة الإصلاح مع كثرة الخصومات والخلافات الأسرية وتنوعها؛ بسبب المشاحنة في الأمور الشخصية والمالية.
وإن من عظمة الإسلام التّشوق إلى الصّلح
والسّعي الدؤوب له، وترتيب الأجر العظيم للمصلحين ويتضح ذلك في قوله تعالى﴿
لاخَيْرَ فِى كَثِيرٍۢ مِّن نَّجْوَىٰهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ
مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَٰحٍ بَيْنَ ٱلنَّاسِ ۚ وَمَن يَفْعَلْ ذَٰلِكَ ٱبْتِغَآءَمَرْضَاتِ
ٱللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا﴾ [النساء: 114].
والصلح بين الناس نوع من إقامة العدل في الأرض،
ويتضح لنا ذلك في تبويب الإمام البخاري ؒ في كتابه «الصحيح» باب «فضل الإصلاح بين
الناس والعدل بينهم»، ثم ذكر حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ: «كل سلامى من الناس عليه
صدقة، كل يوم تطلع فيه الشّمس يعدل بين الناس صدقة»، ومعنى يعدل: أي يصلح بين
الناس صدقة؛ لأن الإصلاح نوع من العدل.
وقال أنس بن مالك رضي الله عنه : (من أصلح بين
اثنين أعطاه الله بكل كلمة عتق رقبة).
فكم يعصم الله بالمصلحين من دماء وأموال وحفظ
للعديد من الأسر من الشتات والضياع بكلمة طيبة ونصيحة من القلب غالية.
ومفهوم الإصلاح بين الناس يعد من المفاهيم
الشّرعية الواسعة والتي تسعى لحل المشاكل والنزاعات الفردية والأسرية داخل المجتمع
والنهي عن الإفساد في الأرض قال تعالى: ﴿وَلَا تُفْسِدُواْ فِى ٱلْأَرْضِ بَعْدَ
إِصْلَٰحِهَا﴾ [الأعراف: 56].
والإصلاح واجب شرعيّ ومهمة جليلة يقوم بها
الأنبياء والصالحين ومن اقتفى أثرهم ولسان حالهم يقول: ﴿إِنْ أُرِيدُ إِلَّا
الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ ۚ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ ۚ عَلَيْهِ
تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ ﴾ [هود: 88]
وإليك أخي المصلح بعضًا من المعالم والقيم
لتستنير بها في طريق الإصلاح أذكر منها على سبيل المثال:
أولًا: قيمة المبادرة في الإصلاح:
باستشعار الفضل العظيم من الله تعالى المترتب
على الصلح بين الناس بقطع الخصومة وفض النزاع وعدم التأخر عن ذلك حتى لا تتفاقم
الخلافات وتتسع النزاعات وتتشعب، فيصعب حينها التّعامل معها وحلها:
بادر إذا حاجة فـي وقتها بــدرت
فللحوائج أوقات وساعات
إن أمكنت فرصة فانهض لها عجلًا
ولا تـؤخـر فلتأخير آفات
ثانيًا: قيمة فقه الأولويات:
وهو الحكمة بوضع الشي في موضعه والتركيز على
الفاضل وترك المفضول فحين الدخول في قضايا الصلح يجب على المصلح التصور التام
للقضايا «فالحكم على شيء فرع عن تصوره» وحينها تتجلى له نقاط الخلاف ويبدأ بتقديم
المهم منها والتركيز عليه.
ثالثًا: قيمة الاطلاع المعرفي:
ويكون ذلك بالقراءة في كتب السياسة الشّرعية
وفن التّعامل مع الأخرين وسؤال أهل العلم عن المشاكل التي تطرأ في القضايا
والمنازعات وذلك لكسب بعض المهارات في الإصلاح والإقناع.
رابعًا: القيمة الدعوية:
إن الدخول في قضايا الإصلاح فرصة للدعوة إلى
الله تعالى داخل الأسر بهداية الناس إلى طريق الحق بإصلاح المعتقد والسّلوك
والأفكار؛ فالنفوس المتشاحنة تثق في المصلح وتتقبل منه وبذلك تكون فرصة لإزالة
العداوات.
خامسًا: قيمة التبصر:
يستحب للمصلح أن يستشير ويستصحب معه نفرًا من
أهل العلم والخبرة والفضل والجاه فإنه سيكون لهم الأثر بعد الله تعالى في تقريب
وجهات النظر وإتمام الصلح على الوجه الأكمل.
سادسًا: ابدأ بمن تعول:
على المصلح أن يبدأ في الإصلاح بمن تحت يديه من
أقاربه وممن لهم عليه حق الولاية والرّعاية امتثالًا لقوله تعالى: ﴿فَاتَّقُوا
اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِن
كُنتُم مُّؤْمِنِينَ﴾ [الأنفال: 1].
سابعًا: قيمة العفو:
بتذكير الخصوم بفضل العفو وأنه عزٌّ لهم ورفعة
في الدارين لقوله تعالى فمن عفا وأصلح فأجره على الله) وقوله ﷺ: «ما زاد الله
عبدًا بعفو إلّا عزًا».
لما عفوتُ ولم أحقد على أحدٍ
أرحت نفسي من هم العداواتِ
ثامنًا: عدم اليأس:
فالمصلح يعرف هدفه فلا يفقد الأمل ويعتريه
اليأس والقنوط من أي قضية تواجهه بل يجب عليه الصبر وإن الفرج قادم بإذن الله
تعالى.
لا تيأسن وإن طالت مــطالبــة
إذا استعنت بصبر أن ترى فرجا
أخلق بذي الصبر أن يحظى بحاجته
ومدمن القرع للأبواب أن يلجا
وأدعو في ختام هذه المقالة كل من يملك القدرة
على الاحتساب في الصلح أن يتعاون مع مكاتب الصلح في المحاكم الشّرعية، أو مع أئمة
المساجد داخل الأحياء، أو أن يبادر بنفسه للصلح في القضايا الشخصية التي يقف عليها
بين معارفه وجيرانه.
وبالإصلاح تستقيم الحياة على المنهج السليم
الذي يوحد المسلمين ويؤلف بينهم ويجمع كلمتهم.