عُني المصلحون قديماً وحديثاً بالأسرة وبكل ما يؤدي إلى استقرارها وتماسكها ذلك أن صلاح المجتمع مقرون بصلاح الأسرة فإذا صلحت صلح وإذا فسدت فسد وارتبط استقرارها وتماسكها باستقرار المجتمع وتماسكه ولا شك أن المؤثر الأكبر في ذلك إنما هو المبادئ والقواعد والمثل العليا التي يؤمن بها الناس ويتفقون عليها فيما بينهم ويتخذونها ميزانا يزنون به أعمالهم ويتحكمون به على تصرفاتهم المادية والمعنوية ، وهذا المؤثر هو الذي نعبر عنه بكلمة ( قِيم ) ومن البديهي أن ندرك أن لكل مجتمع قيمه الخاصة به سواء كانت قيما أرضية أو سماوية ، وأن أصح القيم وأكملها وأشملها وأكثرها موافقة للفطرة السليمة هي القيم التي جاء بها ديننا الحنيف ، فهي التي تنظم علاقة الإنسان بربه ، وعلاقته بمن حوله ، كل حسب مكانته وبالتالي تجعل العلاقة الأسرية قائمة على التفاعل الصحيح بين أفراد الأسرة فيتمتع كل أفرادها بمقومات الحياة الاجتماعية والثقافية والدينية وغيرها من المقومات اللازمة لإشباع حاجاتهم ومطالبهم بشكلٍ معتدلٍ مقبول ٍ ، مع سيادة المحبة والتعاون والمشاركة في ظل وضوح الأدوار بما يدعم العلاقة بين أفرادها ويحقق أكبر قدر من التماسك والتقارب داخل الأسرة .
أهمية القيم في تحقيق الاستقرار الأسري :
- إن القيم تشكل الأساس الذي تبنى عليه الحياة الزوجية فنجد أن دور القيم يبدأ من مرحلة الاختيار إذ يحرص الشاب الواعي على اختيار من تناسبه من الفتيات بناءاً على التماثل في القيم التي يحملها كل منهما فنجده يقول : أريد فتاة ذات حياء ، ونجدها تهتم بأن يكون محافظاً على الصلاة ، ونسمع كثيراً عبارة يقدر الحياة الزوجية فكأنها تشير إلى قيمة المسؤولية أو قيمة الوفاء ، بل كل هذه الأمثلة وما شابهها تشير إلى قيمة معينة يرى أحد الطرفين أهمية وجودها في الطرف الآخر لتحقيق أكبر قدر من التوافق والاستقرار وإلى هذا المعنى دعت الشريعة الإسلامية حيث قال تعالى ( وَلا تَنكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلا تُنكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ أُوْلَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ وَيُبَيِّنُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُون ) البقرة آية 221
وقال الرسول صلى الله عليه وسلم ( إذا خطب إليكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه ، إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفسادٌ عريض ) أخرجه الترمذي .
- لما كانت مظاهر استقرار الأسرة تتضح من خلال سلوك أفرادها ومن خلال التكامل والتناسق بين دور الزوج والزوجة ، وكذلك أدوار بقية الأفراد كان لزاماً التسلح بالقيم التي تنظم وتوجه السلوك ، إذ كلما زاد رسوخ القيمة في النفس زاد أثرها في السلوك .
- إن القيم تسهم في تكيف الإنسان مع الأحوال والمواقف والأقدار التي تمر به فإذا عرفنا أن التكيف أحد أسس الاستقرار الأسري أدركنا أهمية القيم في هذا المجال ، فإنها لا توجه السلوك فقط وإنما توجه رغبات المرء وأمانيه ، وخواطره ، وما يحب وما يكره ، وتضبط ذلك كله مهما تغيرت الظروف وما أحرى الحياة الزوجية في تقلباتها وأحوالها المختلفة إلى قيم تضبط بوصلتها نحو الاتجاه الصحيح ، كقيمة المسؤولية ، والتعاون ، والإحسان ، والعفة ، والوفاء .