فرصٌ ضائعة !

فرصٌ ضائعة !

image

اسم الكاتب: د.عبير بنت عبداللطيف الجعفري

عن الكاتب: عضو هيئة التدريس بقسم اللغة العربية بجامعة الإمام عبدالرحمن بن فيصل




هل جربت يوما مدّ يد العون لمحتاج؟

كيف كان شعورك بعدها؟

ألم تلحظ انفراجا في أزمة مررت بها، أو تنفيسا لكرب ألم بك، أو فتحا لباب من أبواب الرزق عليك بعد مساعدة محتاج؟

لنتأمل قول المصطفى –صلى الله عليه وسلم-: "والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه".

لم يحدد نوع المعونة، ولا قدرها، ولا زمنها، ولا مكانها، بل أطلق ذلك كله، ووعدَ –وقوله حقٌّ وصدق- بتحقق المعونة الإلهية.

أليس ذلك من عظمة الإسلام ويُسر تعاليمه؟

بعض الناس تُهيَّأ لهم أسباب المعونة وسبلها، لكنهم يفوتون على أنفسهم تلك الفرص الثمينة، والهبات النفيسة، ويتذرّع أحدهم بحجج واهية، كضيق الوقت، أو كثرة الأشغال، وأحيانا انعدام الر غبة!

لا يدرك معنى ما أقول سوى من جرّب تلك المواقف، واختبر طعم التوفيق فيها!

في صباح يوم جامعي، كنت مع بعض الزميلات في أحد المكاتب، طُرق الباب، فإذا بالطارق أم طالبة، كانت تسأل عن أحد المكاتب الإدارية، فأرشدتها بعض الأخوات إلى موقع المكتب شِفاهًا. ولأنّا في بداية يوم دراسي، ولم يكن وقت  المحاضرات الفعلي قد بدأ بعد، ولأن السائلة من خارج المجتمع الجامعي؛ فهي تجهل –بلا شك- تصميم المبنى، وتوزيع مكاتبه وأقسامه، واحتراما لسنها وقدرها، فقد آثرت إحدى الزميلات الأخذ بيدها، وإيصالها إلى المكتب المقصود، ثم العودة إلى المكتب مرة أخرى. لم يستغرق ذلك من وقتها خمس دقائق، لكنها أقبلت وهي تشعر بسعادة بالغة، وبطاقة إيجابية امتدّ أثرها حتى نهاية الأسبوع –كما كانت تقول- ناهيك عن الدعوات الطيبة التي خصتها بها تلك الأم، فقد كانت بمثابة الزاد الذي شدّ من عضدها، وشحذ عزيمتها لعدة أيام.

لا أشك في أننا كثيرا ما نمر بشَبَه تلك المواقف، في المؤسسات أو الدوائر الحكومية التي نعمل فيها، أو الأسواق، أو المستشفيات، أو غيرها، لكننا أحيانا نغفل عن استثمار تلك الفرص، ويغيب عنا قوله -عليه الصلاة والسلام-: "من كان في حاجة أخيه، كان الله في حاجته".

وما زلت أحتفظ في مكتبي بتذكار صغير، رُسم عليه صورة خريجة، وكتب أسفلها كلمة "شكرا". قصته جد طريفة، ففي أحد الأيام زارتني طالبة على وشك التخرج تطلب مراجع لبحث تخرجها، وقد كان يتقاطع مع رسالتي العلمية في موضوعه. لم تكن الطالبة من قسمي، بل من قسم علمي آخر، لكن كان هناك من دلّها علي، فأرسلت لها قائمة مراجع الرسالة، وطلبت منها تحديد المراجع المفيدة لبحثها، ومعاودة الإرسال لي؛ حتى أزودها بها، لكنها لم تفعل.

وفي نهاية الفصل الدراسي، وبينما كنت أؤدي أحد المهام الموكلة بي، أطلت فتاة برأسها من فرجة الباب، وطلبت محادثتي، لم أميز صورتها في البداية، لكني عرفتها لاحقا، لقد كانت تلك التي طلبت مني مراجع لبحثها قبل عدة أسابيع.

كانت تحمل في يدها علبة إهداء صغيرة، قدمتها لي، وطلبت مني فتحها، فإذا بذلك التذكار الذي وصفته لكم بداخلها!

أحرجني كرمها ولطف صنيعها، فلم أقدم لها شيئا سوى قائمة المراجع التي لم تُفد منها!

شكرتها وقلت: "لم أخدمك بشيء يستحق هذا التقدير كله!"، لكن ردها صدمني حين قالت: "يكفي أنك تجاوبتِ معي، وسعيتِ في حاجتي وأنت لا تعرفينني! بعض أساتذتي الذين يدرسونني لم يتجاوبوا معي، بل إن بعضهم لا يجيب عن رسائلنا التي نرسلها عبر البريد الجامعي!".

مضى على تلك الحادثة سنوات، وما زلت أحتفظ بذلك التذكار الصغير حجما الكبير معنى في مكتبي، وكلما شعرت بضغط العمل، أو انتابني شعور بعدم التقدير من بعضهم نظرت إليه؛ لأستمد منه القوة والعزيمة، ولأجدد طاقتي ورغبتي في العطاء، ولأرسم على وجهي الابتسامة التي تجعلني أقبل على الحياة لأبصر أجمل ما فيها!

لننظر إلى مثل تلك المواقف على أنها منح وهبات إلهية، ساقها الله إلينا دون أن نسعى لها، ولنحسن اقتناصها والتعامل معها، ولنتذكر دوما أن العاقل لا يغلق بابا للخير فتحه الله عليه!












تواصل معنا