زكاة العلم

زكاة العلم

image

اسم الكاتب: د. رجاء بنت طه محمد القحطاني

عن الكاتب: أستاذ مساعد بقسم علم الاجتماع و الخدمة الاجتماعية و نائبة مدير مركز الأمير مشعل بن ماجد للبحوث الاجتماعية و الإنسانية




كنت أحرص في رحلة الابتعاث بمرحلة الدكتوراه بالولايات المتحدة ثم في بريطانيا، على حضور محاضرات متنوعة في التخصص سواءً لمرحلة الماجستير أو البكالوريوس، للاستفادة من المعلومات الحديثة وطرق التدريس والتقييم الحديثة متلهفةً لتعلم كل جديد. كانت توقعاتي متأثرة بصورة التقدم العلمي الكبير للجامعات العالمية ومتوقعةً ان أجد ما لم يسبق لي معرفته في بلادي، لكنّي فوجئت بأن الكثير من المحاضرات يوازي المحاضرات المتميزة في بلادي على أيدي أساتذة قدموا لنا خلاصة ما تعلموا في الجامعات العالمية بكل حب وإخلاص، حينها كنت أدعو بجزيل الأجر والثواب لأستاذاتي اللاتي لم يبخلن علينا بما اكتسبن من معرفة. 


وبعد العودة للوطن حرصت على إكمال الرسالة، ونقل ما تعلمت، حتى أن معظم طالباتي عرفن مني أسماء أستاذاتي اللاتي تركن بصمتهن في منهجيتي وتوجهاتي العلمية، وكثيرًا ما أستشهد بمقولاتهن. من الهام أن يدرك طلبة العلم أن العلم أمانة ورحلة لا تتوقف وعلى كل جيل نقله للأجيال القادمة. الهدف الأساسي لكل مادة بالمنهج الجامعي  هو وضع بصمة للأستاذ وإكساب الطلبة مهارات فكرية ومهنية وبحثية جديدة. المعلومات مجرد وسيلة لا هدف، فهي تتغير وتظهر بشكل مستمر دراسات أحدث تتعارض مع ما سبقها وتغير مسار العلم احياناً. بناء فكر علمي نقدي للطالب مهارة هامة وعلى الطالب الجامعي أن يقطف من كل بستان أجمل ثماره، فيكتسب من كل أستاذ مهارة، ويعمل على تشكيل شخصيته العلمية المستقلة وتحديد مساره الفكري والمنهجي. 

لا تقتصر رسالة الأستاذ الجامعي على نقل المعلومات، بل على نقل المهارات وطرق التفكير لإعادة تشكيل أساليب التعلم وتعزيز مهارات التفكير النقدي لدى الطلبة. لابد أن يعزز التعليم العالي من مهارات التطبيق

 

والتحليل والتفسير والإبداع. فالتكاليف والمشاريع أفضل وسيلة لتحفيز الطلبة على الإبداع وتقديم أفكار جديدة برؤى جديدة. كما أن الأسئلة التحليلة في وسائل تقييم الطلبة، والتي تتطلب رأي الطالب ورؤيته الشخصية، تفتح أبواب الإبداع للطالب الحريص على تطوير مهاراته، وذلك بالرغم تخوف الطالب التقليدي منها. 

التعاون العلمي بين الطلبة خاصة طلبة الدراسات العليا مهارة أعجبت بانتشارها بين طلبة مرحلة الدكتوراه في جامعتي في بريطانيا حيث يقرأ الطلبة أبحاث بعضهم لعمل التصحيح اللغوي والمناقشة في الأفكارالعلمية بالإضافة لعمل مجموعات للباحثين بنفس المجال لتبادل المعلومات.  للأسف ثقافة التعاون العلمي ليست شائعة في ثقافتنا العربية، وقد أصبحت عبارة "فرمت الكمبيوتر" طرفة أذكرها لطالباتي عسى أن تغير التوجه العجيب نحو احتكار أي معلومة أو مهارة. فتلك العبارة تكررت عندما طلبت من بعض الطالبات مساعدة زميلاتهن من الدفعة الجديدة خاصة عند إعداد أبحاث أو تكاليف للمادة.

ومن النماذج المشرقة التي نجحت معهن سياسة التحفيز على التعاون العلمي مجموعة من المتميزات أسسن نادي"سيسيولوجيات المستقبل" بقسم علم الاجتماع والخدمة الاجتماعية، وبفضل روح التعاون الجميلة تم تنظيم نادي لقراءة أمهات كتب علم الاجتماع ودعوة الأستاذات للحضور والمناقشة.  وبفضل الله وروح التعاون والإيثار وليس التميز العلمي فقط حققن لكلية الآداب والعلوم الإنسانية كأس "سباق المعرفة لعام 2016 " الذي ترعاه عمادة شؤون الطلاب، وينظم على مستوى كليات الجامعة.  هناك باقة من الزهرات الواعدات في كل دفعة، شابات مفعمات بالنشاط وحب العطاء ومشاركة معرفتهن مع الأخريات، وعلينا رعايتهن واستقطابهن ليمثلن النموذج القدوة لطلبة العلم.


زكاة العلم ونشره مبدأ نحتاج تعزيزه ونشره بين أساتذتنا قبل طلبتنا، فالعلم لا يزهر إلا إذا وضع كلاً منا لبنة لبناء هرم المعرفة. فقد قال رسول الهدى عليه الصلاة والسلام: "من سئل عن علم فكتمه ألجمه الله يوم القيامة بلجام من نار", ولا فرق في أهمية نقل العلم والمعرفة بين قليله أو كثيره فقد قال رسول الله (صلى) "بلغوا عني لو آية" 


وقد حث الله سبحانه و تعالى في كتابه الكريم على نشر العلم، وبلّغ التحذير والوعيد لمن يكتمه. قال تعالى "إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَىٰ مِن بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ ۙ أُولَٰئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ"  جعلنا الله وإياكم ممن يعمرون الأرض بالعلم النافع. 












تواصل معنا