هم التربية

هم التربية

image

اسم الكاتب: معالي الدكتور / الشيخ صالح بن حميد

عن الكاتب: إمام وخطيب المسجد الحرام عضو هيئة كبار العلماء



لا هم يعلو فوق هم التربية ، { ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين }

 التربية -حفظكم الله- ليست مشروع أسرة، أو مشروع مدرسة، بل هي مشروع أمة ومشروع دولة.

الزراعة ُتنتج الغذاء، والصناعة تصنع الأدوات، والتجارة تجلب الموارد، أما التربية فتبني الإنسان والوطن وتصنع ذلك كله.

التربية ..علم ٌ يُتعلم وعمل ٌ يُكتسب والتزام ُيطبق. 

التربية تُنمي القدرات ولا توجدها، وتطور الملكات ولا تنشئها، ومن شبّ على شيء شاب عليه.

معاشر الإخوة والأخوات: 

هذه هي التربية في مكانتها وأثرها، أما محلها وميدانها فهم أولادنا، قرّة العين وسلوة الفؤاد، وزينة الحياة وأنس العيش وثمار القلوب، وعماد الظهور، بُناة الغد ورجاله ومفكروه وسواعده ، ومستودع أمانات الوالدين والمعلمين والمربين، الله الله فيهم ، فما أعظم المسؤولية وما أكبر المهمة.

أيها الآباء والأمهات:

هم التربية فوق أ ّي هم، لا يعصم من الذنوب سوى مراقبة علّام الغيوب.. اغرسوا فيهم عقيدة التوحيد تثبت بها قلوبهم، وتسكن إليها نفوسهم، وتنشرح بها صدورهم، وتلهج بها ألسنتهم، وتقوم عليها أعمالهم.. ربوهم على تقوى الله وخشيته ومراقبته حتى لا يرجو الولد إلا ربه ولا يخاف إلا ذنبه، يتعلقون بالله عّز وجل ويتوكلون عليه، ويتمسكون بكتابه ويلتزمون بسنة نبيه محمد -صلى الله عليه وسلم- ويستعينون بالصبر والصلاة ويذكرون الله كثيرًا.

اجعلوا طاعة الله لهم دثارًا، والخوف منه شعارًا، والإخلاص له زادًا والصدق ُجنّة.

ومن استحيى من الله بلّغه عالي المقامات ورفيع المنازل.

علموهم أن الله -سبحانه- قد حكم ألا يطيعه أحد إلا أعزّه، ولا يعصيه أحدٌ إلا أ ّذلّه.

العز مربوطٌ بطاعة الله، والذلّ مربوطٌ بمعصية الله.

معاشر المربين:

في القرآن الكريم من الوصايا التربوية والآداب السلوكية ما يُجسد عناية هذا الدين بأصول التربية ووسائلها وطرائقها.

قال تعالى:

{ وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا [الإسراء:36 }

أيها الآباء.. أيها المعلمون.. 

حبّبوا إليهم القراءة وطلب العلم، فالعلم سلوة العيش ودليل الحيرة، وأنيس الوحشة ،وخير ما يُعلّمون كتاب الله تلاو ًة وحفظًا واستماعًا في البيت وفي المدرسة وفي سائر المرافق والأحوال، وبقدر ما يقرأ الولد من كتاب الله تزداد طمأنينته وتحصل سعادته..

أيها المربون :

أقيموا ألسنتهم بلغة القرآن حتى تُحفظ لغتهم ويحلو بيانهم.

ليس أعظم ضعفًا ولا أشد ُهزالًا من أن  تتكلم الناشئة بغير لغتها وتؤرخ بغير تاريخها وتفاخر بغير إنتاجها، وتحتفل بغير أعيادها.

علموهم أن يغتنموا تعليم العالِم، ويستمعوا إلى نُصح المُشفق، ويأخذوا بإرشاد الحكيم ويقتدوا ببذل الكريم.

أيها الآباء الفضلاء.. أيها المعلمون النبلاء:

ربوهم على الفضيلة ومكارم الأخلاق، فإنه بالفضائل تُدفع الرذائل، فجمال العقل بالفكر، وجمال اللسان بالصمت، وجمال الكلام بالصدق، وجمال الحال بالاستقامة.

والقعود عن الفضائل بئس الرفيق!

إن من أعظم وسائل التربية ومن أنجحها التربية بالقدوة، الأبناء بحاجة إلى قدوات، 

لا إلى نُقاد..جالسوهم، صادقوهم، تحدثوا إليهم، فرّغوا أنفسكم من أجلهم، إنكم إن لم تجدوا لهم عندكم وقتًا فلن تجدوا عندهم لكم مكانا.

إعطائهم من وقتكم خيرٌ لهم من إعطائهم من مالهم، وأن تستثمروا فيهم خيٌر من أن تستثمروا لهم.

كونوا لهم قدوة بحكمة العقل وعفة اللسان، وصدق الحديث، وطهارة اليد، و حسن الخلق.

يقول عمر بن عُتبة مخاطبًا معلم ولده:

" ليكن أول إصلاحك لولدي إصلاحك لنفسك، فإن عيونهم معقودة بعينك، فالحسن عندهم ما صنعت، والقبيح عندهم ما تركت" 

كونوا لهم مستمعين..يكونوا لكم بررة، أحبوهم وأثنوا عليهم وشجعوهم وبادلوهم المزاح والمرح.

احذورا أن تستحوذ على الأبناء والبنات أدوات التواصل والمواقع  الافتراضية، 

بثوا فيهم الوعي، فلا يُصدقوا كل صورة، ولا يستسلموا لكل تغريدة، ولا يقبلوا كل معلومة، ففي كثير منها مواقع الخلل ومواطن الزلل.

لا تجعلوا أدوات التواصل محطات عبور لشائعة، أو سبيل لغيبة، أو طريق لكذبة تبلغ الآفاق، فالأوزار مكتوبة والآثام محسوبة بلمسة لم تكن بالحسبان.

وجهوهم أن يجعلوا من هذه الأدوات نقاط تفتيش تحجز الأذى وتمنع الفحشاء.

إن من أعظم ما يُستهدف في التربية إقامة بناء الشخصية في الناشئة، والاعتزاز بالقيم، والاعتداد بالنفس، والبعد عن التقليد المميت، والحذر من الاندفاع وراء مهازل المشاهير في ملبس أو مطعم أو سلوك، 

فالعزة لله ولرسوله وللمؤمنين ولكن المنافقين لا يعلمون!

أيها الآباء ..أيها المعلمون:

التربية الصحيحة تحفظ الوطن قبل أن يحرسه الجيش المنظم، والناشئة هم دروع الوطن وحماة استقراره، علموهم أن الوطنية إخلاص وعمل وبناء وتعاون وحماية وأمانة واحترام.

وطنك تحبه وتدافع عنه ولا تنتقص منه،

 ولا ترضى أن يُنتقص منه، وتقف في وجه أعدائه المتربصين والحاقدين عليه.

الوطنية محافظة على الممتلكات والمرافق والمقدرات وسلوك سبيل الرشد والترشيد في الصرف والاستهلاك والطاقة والثروات وحماية النزاهة، ومكافحة الفساد أّين كان مصدره، وأين كان مقترفه. 

علموهم أن المواطنة توظيف الملكات والقدرات والخبرات في خدمته وتعزيزه ورفعته على الأصعدة كافة.. الوطنية..عين ساهرة، وهمة عالية، وسعي حثيث إلى مراتب النجاح!






  1. rإن من أعظم ما يُستهدف في التربية إقامة بناء الشخصية في الناشئة، والاعتزاز بالقيم، والاعتداد بالنفس، والبعد عن التقليد المميت، والحذر من الاندفاع وراء مهازل المشاهير في ملبس أو مطعم أو سلوك،






تواصل معنا