سمات المربيّ القيميّ

سمات المربيّ القيميّ

image

اسم الكاتب: أ.د هدى عمر باكودح

عن الكاتب: عضو هيئة تدريس بجامعة جدة



     عندما نتحدث عن المربي القيمي فنحن نعني شخصا متميزا و إنسانا مسؤولا يسعى لتحقيق رسالة عميقة، نقف على بعد من أبعادها حينما نتأمل حديث أبي عنبة الخولاني عندما قال: ( سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: لايزال الله يغرس في هذا الدين غرسا يستعملهم في طاعته )، قال ابن القيم رحمه الله تعالى: "  ( غرس الله ) هم أهل العلم والعمل ، فلو خلت الأرض من عالم خلت من غرس الله".

قد يكون السؤال الذي يلح على تفكير كل غارس للقيم، وكل مرب همه التربية على القيم هو : (كيف نربي على القيم؟؟ ) وبالرغم من أهمية هذا السؤال ، ليس من المفترض تصدره قائمة أولويات المربي القيمي. ولعل أول ما يجب أن يثير اهتمام المربي القيمي : ( لماذا أربي على القيم؟)  حيث أن الهدف والدافع كلما كان صحيحا وقويا وخالصا لله كلما سارعت الكيفيات والنتائج لتلحق بتلك الأهداف السامية، فالكيفية وليدة المقصد ، وكلما كان المقصد والهدف واضحا سيجلي الضباب عن تفاصيل الكيفية مع الاستعانة بالله أولا و آخرا.

         إن نظرة المربي المهتم بالقيم لمن يقوم بتربيته بأنه مخلوق من جسد وروح ، وأن سعادته وقيمته في سمو الروح وأن ذلك الجسد ماهو إلا وعاء لتلك الروح الثمينة التي يسعد بسعادتها ويشقى بشقائها. تلك النظرة ستجعل المربي يُصَدر قائمة أولوياته( القيم الروحية السامية) التي جعلتها الشريعة الإسلامية في أول التشريعات الأخلاقية ومقصدا من مقاصدها( هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ (2)) سورة الجمعة  

   لذلك نجد أن القلب الذي هو محل القيم من الإنسان، هو المضغة التي إذا صلُحت صلُح سائر الجسد و إذا فسدت فسد الجسد كله. وكذلك ارتبط الفلاح والخسران في الدنيا والآخرة بمدى تمثل الإنسان بتلك القيم الخادمة للقيم الروحية ( قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا (9) وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا (10)) سورة الشمس.

      في ظل تلك الإضاءات لابد من أخذ الكتاب بقوة  حتى يتمكن المربي القيمي من آليات الغرس، فعليه الاهتمام بإعداد نفسه ، وتعلم كل ما يؤهله لأن يكون مربيا مسؤولا موفقا ، فهو يعي تماما أن عليه أن يعقلها ويتوكل.

وفي هذا الصدد نشير إلى أهم ثلاث مجموعات من المهارات التي يحتاجها كل من تصدى للتربية على القيم :

المجموعة الأولى : مهارات في التعلم المستمر؛ وهذه المهارات تشمل أن يهتم المربي بالمصدر الأصيل الذي يستمد منه القيم، فلا يُقَدم على كتاب الله وسنة رسوله محمد -صلى الله عليه وسلم- أي اقتراحات أو أفكارمرتبطة بالأهواء والمصالح. وهنا تظهر مهارة أساليب البحث العلمي من خلال الإرث الإسلامي الجميل الذي يصبح على أيدي هؤلاء المربين حاضرا مصانا. كما يلزم المربي متابعة مايستجد على الساحة من اهتمامات بالقيم ( إيجابا أو سلبا) فيتمكن من تحديد الاحتياج القيمي الذي يستدعي بناء منظومات القيم أو تعزيزها.

المجموعة الثانية : مهارات في التفكير؛ والتي منها مهارة التفكير الناقد، وحل المشكلات، ومهارة التخطيط واتخاذ القرار، وغيرها. فتعلم مهارات التفكير ضرورة يحتاجها غارس القيم؛ ليتمكن من وزن المواقف التربوية ومن ثم تسريب القيم للمتربي بطرق إبداعية مختلفة.


أما المجموعة الثالثة من المهارات  فهي مهارات التواصل؛ فالتواصل بين المربي والمتربي هو نقطة التفاعل، وجميع المهارات السابقة تكون الأساس الذي يثري هذا التفاعل ، وفي هذا التواصل يحتاج المربي لمهارة المرونة، ومهارة ضبط النفس، والتحكم في الانفعالات ، كما يحتاج لمهارة الدعم والتعزيز التي لا يخفى أثرها الفعال في استجابة المتربي.

     ولعل الخلل الغالب في التربية على القيم لا يكون في قلة من يهتم بالقيم ، بل كثيرٌ هُم من يهتمون بالقيم ويحملون همٌّ القيم وهمُّ غرسها في الأجيال، بل كثيرٌ من لديهم حماسٌ عال تجاه القيم وتعزيزها ، و لكن يَعُوزُنَا من يجيد أبجديات الغرس القيمي بمهارة عالية. والله نسأل أن نكون جميعا ممن يسعى في تشييد البناء القيمي على أصول وقواعد راسخة، وأن نكون من ذلك الغرس الذين يستعملهم الله في طاعته .







  1. rما أجمل قال الشيخ صالح بن حميد حفظه الله من أعظم ما يستهدف في التربية إقامة بناء الشخصية في الناشئة والإعتزاز بالقيم والإعتداد






تواصل معنا