استثمار الدوافع

استثمار الدوافع

image

اسم الكاتب: د. فؤاد مرداد

عن الكاتب: عضو هيئة التدريس بجامعة الملك عبدالعزيز المشرف والمؤسس لبيت الخبرة قيم للدراسات والإستشارات القيميمة والمشرف العام على منصة قيم



الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه وبعد:

اقتضت حكمة المولى سبحانه أن تطبع الفطرة الإنسانية على حب التميز والحصول على المكانة وتبوء المنزلة العالية من خلال المكتسبات المختلفة وبالوسائل المتنوعة، وهذا يفسر الصراع المحموم على السبق في المنافسة في كافة مجالات الحياة المادية والمعنوية.

وفي ظل هذا السباق للتميز برز السؤال الأهم من الذي يصنع التميز؟ ويحقق الفرق؟ ويمنح القيمة المضافة؟

تأتيك الإجابة من خلال كافة الدراسات العلمية العربية منها والغربية ومن خلال التأمل في كافة الممارسات التطبيقية لتثبت بأن صناعة التميز مرتبطة برغبة الإنسان وطموحه ودوافعه الداخلية لتحقيق المنازل الحياتية العليا. فمتى ما وجدت هذه الدوافع تزامن معها تحقيق التصالح مع الذات، والقدرة على التعايش والتكيف مع الآخرين ومن ثمّ السعي الحثيث لتحقيق الإنتاجية والتميز التي تشكل نهضة الأمم.

فإذا ما أردنا أن نحقق تميزنا على مستوى الأفراد أو المجتمعات فإننا بحاجة إلى استثمار الدوافع. فما هي الدوافع التي أقصدها؟

ما أعنيه هنا بالدوافع المحركات الرئيسية للسلوك الإنساني والتي نرى أنها تتمثل في أهم دافع وهي المنظومة القيمية الداخلية للإنسان، فإذا تم صناعة منظومة القيم بشكل صحيح ووفق أسس علمية وعملية شكلنا الدوافع الرئيسية المقصودة لتحقيق ذلك التميز وتلك الإنتاجية.

وبقراءة متأنية تحليلية في سياق النجاحات العالمية اليوم والمتمثلة في الأفراد أو المجتمعات ستجد أن المنظومة القيمية حضرت لتصنع الفرق؟!

ولك أن تستعرض تاريخ العظماء في كل مجالات الحياة، وترتحل في أعماق أنفسهم لتكتشف منظومة القيم التي صنعت فيه عظيماً مؤثراً لا ينتكس أمام الأعاصير، ولا ينجرف أمام أمواج التحديات.

واليوم يسجل العالم صراعاً محموماً على السيادة والتميز في كافة مجالاتها من خلال الارتكاز على المنظومة القيمية، فعندما نحلل بعين الفاحص التميز النهضوي لبعض الدول، نقرأ ملامح المنظومة القيمية التي صنعت ذلك التميز، فاليابان التي أصبحت حديث المشرق والمغرب صنعت مجدها من خلال منظومتها القيمية الخاصة بها والتي رصدتها الأبحاث والدراسات المختلفة، والحال كذلك أمام عملاق النهضة الصناعية الصين، فالحراك الصيني مبني على منظومة قيم واضحة ومرصودة وليس ببعيدة عنهم كوريا الجنوبية التي قفزت خلال الثلاثين سنة الماضية إلى مصاف الدول الصناعية العظمى بعد أن كانت تعاني من التأثر الاقتصادي والمعرفي بشكل عام، وذلك بعد أن أعلنت منظومتها القيمية وعملت على تحقيقها، وهذا الأمر ينطبق على جميع الدول المتقدمة.

وإذا كنا اليوم نتحدث عن الغرب والشرق، فإن قصة النجاح التي تعيشها بلادنا في ظل رؤية طموحة استراتيجية رسمت خارطة الطريق لمستقبل نوعي في بلادنا خير مثال على النهضة المرتبطة بالمنظومة القيمية. فرؤية 2030م قامت على ركائز قيمية واضحة من خلال محاورها الثلاث (وطن طموح – مجتمع حيوي – اقتصاد مزدهر).

وعندما نبحث عن النموذج الأمثل والأعمق في الاهتمام بالمنظومة القيمية كقاعدة أساسية لبناء مجتمع متماسك منتج فإننا قطعاً لن نجد أعظم من النموذج المحمدي خلال رحلته بأبي وأمي صلوات الله وسلامه عليه عبر ثلاثة وعشرين سنة قضاها في بناء المنظومة القيمية للمجتمع، تلك المنظومة التي نظمت علاقة الإنسان بأبعادها الثلاث علاقته مع ربه، علاقته مع نفسه، وعلاقته مع المجتمع (الآخرين).

ولو أخذنا العهد المكي فقط في دراسة مستفيضة لظهر لنا أثر ذلك البناء للمنظومة القيمية في تحويل هذه الأمة التي لم تكن يومها تمثل رقما مؤثراً بين باقي شعوب الأرض قبل بعثته صلى الله عليه وسلم إلى أن تحولت الأمة التي سادت كل الأمم. ودان لها المشرق والمغرب وامتد أثرها وانتشر في كل أصقاع المعمورة.

إنها باختصار أيها المباركون المنظومة القيمية التي تمثل الدافع الرئيس لتحقيق كل تميز في أي مجال من مجالات الحياة.

وإذا كان الاستثمار هو المحافظة على رأس المال وزيادته وتنميته فإن الاستثمار الأمثل هو الاستثمار في بناء الإنسان قيميا لنحقق شعار (ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا) وحتى نصل إلى هذا الاستثمار أرى أن نضع خارطة طريق يمكن ترجمتها بالخطوات التالية:

(1 نشر الثقافة القيمية في المجتمع بكافة الوسائل والأساليب ولكافة الشرائح المجتمعية.

(2 إقامة الشراكات القيمية بين الكيانات المختلفة للمحافظة على المنظومة القيمية للمجتمعات.

(3 إطلاق المبادرات النوعية في مجال القيم التي تخاطب الجيل بلغة اهتماماته.

(4 إجراء المزيد من الدراسات العلمية والتطبيقية في المجال القيمي لتحديد الخبرة القيمية ورسم خارطة الطريق لمعالجتها.

عندها بإذن الله سنحقق لمجتمعنا الاستثمار الأمثل لموارده وطاقاته ونحقق أعلى درجات التميز.

ونقضي على كل صور ومظاهر المشكلات المجتمعية المختلفة سواء كانت على مستوى الأفراد أو ضمن دائرة العلاقات الأسرية أو على مستوى العلاقات المجتمعية.

إنها رحلة طويلة لكنها في الاتجاه الصحيح بدايتها نية صادقة وجهد مبارك ونهايتها توفيق وسداد في خدمة الدين والوطن.






  1. rالمنظومة القيمية الداخلية للإنسان، فإذا تم صناعة منظومة القيم بشكل صحيح ووفق أسس علمية وعملية شكلنا الدوافع الرئيسية المقصودة لتحقيق ذلك التميز وتلك الإنتاجية.

  2. rمقال رائع وممتاز ما شاءالله جزاك الله خير

  3. rوعندما نبحث عن النموذج الأمثل والأعمق في الاهتمام بالمنظومة القيمية كقاعدة أساسية لبناء مجتمع متماسك منتج فإننا قطعاً لن نجد أعظم من النموذج المحمدي خلال رحلته بأبي وأمي صلوات الله وسلامه عليه عبر ثلاثة وعشرين سنة قضاها في بناء المنظومة القيمية للمجتمع، تلك المنظومة التي نظمت علاقة الإنسان بأبعادها الثلاث علاقته مع ربه، علاقته مع نفسه، وعلاقته مع المجتمع (الآخرين). ولو أخذنا العهد المكي فقط في دراسة مستفيضة لظهر لنا أثر ذلك البناء للمنظومة القيمية في تحويل هذه الأمة التي لم تكن يومها تمثل رقما مؤثراً بين باقي شعوب الأرض قبل بعثته صلى الله عليه وسلم إلى أن تحولت الأمة التي سادت كل الأمم. ودان لها المشرق والمغرب وامتد أثرها وانتشر في كل أصقاع المعمورة.






تواصل معنا